• ١ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ | ٢٦ صفر ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مساحة ود

تحسين يقين

مساحة ود

لنتأمل قليلا:

نحن كأفراد ومواطنين/ات ننتمي لهمومنا واهتماماتنا ومصالحنا، في ظل مجموعات متنوعة، تسعى كل واحدة أيضا إلى ما يهمها، في ظل سعي المجموع-الشعب، إلى أهدافه السياسية والاقتصادية، التي لا تبعد كثيرا عن أهداف الأفراد والجماعات.

كل ما تتسع الدائرة يخف الاهتمام، وهذا أمر طبيعي، حيث أن الخلاص الفردي يتقدم على أنواع الخلاص الجمعية الأخرى، باستثناء تحمس الشباب للقضايا القومية كونهم لم ينشغلوا بعد بالهموم الشخصية والجماعية الأخرى. وإذا تأملنا في النزاعات بشكل عام، نجد أن الناس يزدادون حدة وتعصبا كلما ضاقت الدائرة. والأخطر في هذا الفهم، هو أن من يلحّ على الخلاص الفردي، أو الجماعي (حزبي، فصائلي، طائفي...) فإنه لا يجد حرجا بأن يورط المجموع الأكبر في اهتمامات وهموم وقضايا وحتى نزاعات، من أجل مصلحته كفرد، إذا كان الحديث عن الأفراد، ومن أجل مصلحتهم كجماعة إذا كانوا كذلك.

فإذا تم ذلك السلوك الفردي –الجمعي في الأحوال الطبيعية، فكيف هو الحال في ظل النزاعات والحروب؟

ربما ذلك يفسّر ما يحدث في حالة فلسطين-إسرائيل نزاعا مريرا واشتباكا دائما، ونزاعا يزيد أو يقل قليلا داخل المجتمعين السياسيين الفلسطيني والإسرائيلي، في ظل تاريخهما الخاص على حدة، وتاريخهما معا منذ بدء نزاعهما معا على مدار قرن، في ظل نزاع دوليّ مرّ بحربين عالميتين وحروب أخرى باردة وحارة.

وفق ما مضى، يمكن لكل متأمل أن يحلل العلاقات السياسية في بلده، المرتبطة بالعلاقات العربية والدولية، بعيدا عن الشخوص والشخصيات، حيث أننا إزاء ظواهر موضوعية، يهمنا من بحثها هنا خلاصنا المشترك، شعبا وجماعات وأفرادا، أو أفراد وجماعات وشعبا.

في حالتا الفلسطينية:

-     النزاع/الصراع التقليدي القديم مع الاحتلال.

-     الحالة الحكومية: في إدارة الوطن وحكمه المتأثرة بالعلاقات مع إسرائيل المحتلة-المفاوضة سلبا وإيجابا.

-     نزاعاتنا الداخلية: نزاع العقد الأسود بين فتح وحماس، ونزاعات الفصائل داخل بعضها بعضا، بين أشخاصها ومراكز القوى فيها، والنزاعات الاجتماعية وصولا للنزاعات العائلية والأسرية.

-     النزاعات العربية حولنا.

-     والنزاعات الإسرائيلية.

-     والنزاعات الدولية، خصوصا تلك التي تحترب هنا.

من الطبيعي حدوث التفاعل بين هذه الأطراف المتنازعة، بل إن حرارة النزاع تشبه الحرارة التي تزيد من حيوية التفاعلات الكيماوية.

فمن المؤهل أخلاقيا وسياسيا وثقافيا ومهنيا للقيادة في المجتمع والدول والعالم!؟

وإلى أين تتجه منطلقات العلاقات الدولية؟ وأين نحن منها عربا وفلسطينيين؟

من يستقرئ التاريخ يفهم حركته، لكنه ليس بالضرورة أن يتحكم بمساره المستقبلي، لذلك فإن من مآس البشرية أن يرى الناس بعضهم يغرقون دون أن يستطيعوا إنقاذهم.

ترى ماذا نفعل إزاء النزاعات السابقة؟

النزاع التقليدي القديم مع الاحتلال، كيف نصل به إلى حالة سلام حقيقية في ظل نزاعاتنا الداخلية التي زادت من حدة العنف على جميع المستويات، في البت والمدرسة؟ وكيف نطمئن لعيش شعبنا إن لم نتعاون في إدارة جوانب المجتمع تربويا وصحيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا، فلا نقف متفرجين على أي مركب منها يحتاج إنقاذا، نصحا وإرشادا وتفكيرا إبداعيا لحل مشاكله، متخلصين من عقدنا الشخصية كأن الأمر لا يعنينا إن لم نكن في الواجهة والحكم والإدارة!

وكيف نقف كفلسطينيين متفرجين إزاء النزاعات العربية خصوصا أننا ندرك أثرها على قضيتنا التي تحتاج كل مجهود قومي يدفع باتجاه تخلصنا من الاحتلال؟

أما النزاعات الإسرائيلية، وهي الأقل حدة بين النزاعات الأخرى، فيمكننا أيضا لعب دور هام، وتوظيف تلك النزاعات باتجاهات موضوعية لحل النزاع حلا أخلاقيا. وقد نجحنا قليلا في هذا المجال، ولو لم يحدث نزاع العقد الأسود بين فتح وحماس تحديدا، لكان تأثيرنا على الحراك السياسي داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي أكثر وأكثر عمقا.

هنا في ظل هذا السعي الوطني والقومي نحو السلام، يمكننا فلسطينيين وعربا أن نسهم أيضا في السلام الدولي.

التاريخ شخصي واجتماعي ودولي. والتواريخ تتقاطع وتتفاعل معا؛ فلكل شخص تاريخه الفكري والنفسي والعاطفي، ولكل جماعة وشعب تواريخها الخاصة والعامة. وهي تعكس حركتهم وعيشهم معا أو فرادى.

والمهم إنسانيا ليس الثأر، وليس التحالفات بل التسامح هو ما نحتاج جميعا إن أردنا خلاصنا المشترك.

إنني متفائل على هذه الأرض، أرض الحنون والزعتر، أن نصل معا إلى حالات تصالح شخصية واجتماعية وسياسية، تساعدنا على البدء بإحداث تصالح عربي بالتعاون مع دول عربية أخرى، بطموح يحدونا جميعا إلى حل النزاع-الصراع العربي-الإسرائيلي.

الأرض واسعة تتسع لنا جميعا، إن توسعت صدورنا وقلوبنا.

والمؤهل أخلاقيا وسياسيا وثقافيا ومهنيا للقيادة في المجتمع والدول والعالم، هو من يدرك ويشعر أن مشروعية القيادة والحكم تنبع من أمرين:

-     الأول: السعي نحو الخلاص الجمعي، وتوظيف القدرات الفردية في سبيل ذلك، كون الخلاص العام يؤسس للخلاص الفردي، حتى لا يتم استخدام العام في سبيل الخاص.

-     الثاني: مشروعية الاختيار لا الجبر، بأن لا تفرض النخب الحاكمة نفسها على الشعب، بادعاء التخليص والإنقاذ والإصلاح.

لعل توصيف الحالة هنا يدفعنا إلى أن نزن أنفسنا، أفرادا وأولياء أمور وموظفين وقيادات وحكاما، حتى لا نسأل أسئلة نعرف إجاباتها أيضا، وحتى لا يستمر خوف القيادات في جميع المستويات من مستقبل تجد نفسها خارجه، ومن تاريخ تجد نفسها في موقع غير لائق.

ضمان القيادي والحاكم: من أصغر مسؤول حتى أكبر مسؤول هو ضمان القاعدة والجمهور، بهذا الفهم يتمسك المواطنون بقادتهم، احتراما وتقديرا، وبغيرها يزهدون.

التسامح والمحبة والتعاون هو ما نحتاج جميعا إن أردنا خلاصنا المشترك. فإذا تحلى القادة بتلك القيم سيحبهم الناس وسيقتدون بهم، وسيحدثون معا حكاما ومحكومين اختراقا عساه يكون انفراجا.

ارسال التعليق

Top